تري هل انتصرنا علي إسرائيل في السادس من إكتوبر أم في العاشر من رمضان؟!. في الحقيقة أننا إنتصرنا عليهم بالفعل في السادس من إكتوبر، فلم يكن هناك ارتباط بين شهر رمضان والنصر أو الهزيمة في هذه الملحمة، إلا مصادفة مواكبة الشهر الفضيل لشهر أكتوبر أكتوب الأفرنجي وشهر كيبور العبري في هذا العام.

وذلك أن الإعداد للحرب كان قائماً على شهر أكتوبر بسماته المناخية من طول النهار أو قصر الليل ودرجة حرارة الجو والمد والجزر وحركة الأمواج بالبحر الذي تعبره الجنود، نوعية ملابسهم وعلاقتها بالمناخ، وأنواع الطعام المتوفرة في ذلك الوقت من العام بالأسواق، نوعية الأسماك في البحار وحتي الطيور التي تحلق في السماء، بالإضافة للعادات والتقاليد الإجتماعية والثقافية للمصريين والإسرائيلين التي يهتمون بها في هذا الوقت من العام ويكررونها كل سنة.

ولو أردنا تنفيذ نفس خطة الحرب بعد مئات السنين بنفس التخطيط – مع مراعاة المتغيرات السياسية والتطورات التقنية والتسليحية – لاستطعنا فعل ذلك، أما لو إعتمدنا في التخطيط والإعداد للحرب علي شهر رمضان فلن نصل – للأسف- إلى شئ اللهم إلا الإعتماد علي الروح الإيمانية التي من الممكن أن يتحلى بها الجنود في هذه المناسبة الكريمة كعامل من العوامل المعنوية المساعدة في الحروب.

ولعل هذا يكون مدخلاً لإشكالية استخدام التقويم القمري والتقويم الشمسي في تحديد مسار الزمن في حياتنا ومدي علاقته بالنشاط الاجتماعي والاقتصادي في شتي مناحي الحياة تاريخياً ومستقبلياً، فلكي ينظم الإنسان حياته في هذا الكون المترامي لاحظ شروق الشمس وغروبها ومن ثم النهار والليل – نتيجة لدوران الأرض حول نفسها أمام الشمس – (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) (12 الإسراء)، فعّرف الإنسان هذه المدة الزمنية باليوم، ثم لاحظ تغير شكل وسطوع القمر في الليل مابين الهلال والبدر ثم الصغرالتدريجي حتى صار كجريد النخل الجاف ويختفي مرة أخرى – نتيجة لدوران القمر حول نفسه وحول الأرض في رحلة دورانها حول الشمس (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ )(39 يس)، و(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ) (١٨٩ الحج ) فعّرف الإنسان هذة الفترة بالشهر.

كما لاحظ تغير المناخ مابين الشاء والصيف والربيع والخريف وتبدل الزروع والمحاصيل علي مدار العام وتعيد نفسها في نظام دقيق فعّرف هذه الفترة بالسنة – نتيجة لدوران الأرض حول الشمس-. كما لاحظ أن هذه الدورة السنوية تستغرق 365 يوما وأن الشهر القمري يستغرق حوالي29,5 يوماً فقام بتقسيم السنة إلى 12 شهرا (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ….) ( التوبة 36).

ولما وجد أن الإثنتا عشرة شهراً تقل في مجموعها بالأيام – عن باقي أيام السنة – بالشهور حوالي 12 يوماً، أضاف هذه الأيام الناقصة وكبسها إلى الأشهر لكي تنتظم السنة وتحل فصولها ومواسمها ومناخها بإنتظام في كل عام وكان البعض يضيف شهرا “نسيئا”- كل 32 شهراً (كالعرب قبل الإسلام وحتي بداية الدولة الأموية – اليهود – الصينيون – الهنود) إلا أن الفراعنة كانوا أكثر دقة بإختراعهم التقويم القبطي – المصري – الذي يعتمد علي نجم “الشعري اليماني” والذي يقسم السنة إلى 12 شهراً كل منها 30 يوماً كاملة ويضيف في نهاية السنه ستة أيام يسميها النسئ وقد بلغوا من الدقة في هذا التقويم أنهم كانوا يبنون معابدهم بحيث تتعامد الشمس بكل دقة وفي ساعة معينة من اليوم في كل عام علي قدس القداس الذي يواكب تاريخ ميلاد الفرعون ويوم جلوسه علي العرش، فضلاً عن ثبات المواسم الزراعية بدقة متناهية علي مدار آلاف السنين حيث الزراعة والحصاد أساساً لحضارتهم وسبل عيشهم.

ولكن الغرب الذي وجد صعوبة في تتبع أحوال ومنازل القمر شهرياً نظراً لظروفه المناخية الملبدة بالغيوم قام باختراع التقويم الشمسي الخالص، فقسم السنة إلى 12 شهرا تراوح طول أيامها ما بين الـ 30 والـ 31 يوماً باستثناء شهر فبراير الذي جعله شهراً ضابطاً يكبسه بيوم واحد كل أربعة سنوات وهو مايعرف بالتقويم اليولياني والذي مازالت تستخدمه كنيستنا الشرقية، كما بالغوا في الدقة حينما اكتشفوا أن هناك يوم فارق في التقويم يظهر كل 300 سنة فألفوا التقويم الجريجوري – ولعله كان ومازال السببب في اختلاف يوم الإحتفال بعيد ميلاد المسيح مابين الشرق والغرب بفارق أيام كماهو معلوم -.

ولقد بلغ حرص الإنسان ودقته في حساب الزمن أنه لم يكتف بالدقائق والثواني بل وصل الي علم الفيمتوثانية التي هي مليون مليار (كوادرليون) من الثانية، ليتمكن من رصد حركة الجزيئيات والتفاعلات الكيميائية وهو ما أخذ عنه النابغة المصري احمد زويل جائزة نوبل في الفيزياء.

كما بلغت آفاق الإنسان نحو البحت عن الزمن وضوابطه البيلوجية داخل نفسه فنجح أخيراً في الوصول إلي الجين الإنساني الخاص بالسيطرة علي تصنيع بروتين بداخل الخلايا تختلف كمياته ما بين النهار والليل فيتراكم في الخلية أثناء النهار وينحسر خلال الليل فيضبط الشعور الداخلي بالزمن وعلاقته بدوران الأرض مما يؤثر على النوم والأحلام والسلوك وتدفق الهرمونات ومن ثم درجة حرارة الجسم وعمليات الأيض، ولذا استحق العلماء الأمريكان الثلاثة: (جيفري هول – مايكيل روسباش – مايكل يانج ) جائزة نوبل في الطب هذا العام عن هذا الكشف الطبي المهم.

وبرغم كل هذه الاكتشافات والإنجازات العلمية الهامة التي تسعي لرقي الإنسان وإسعاده علي الأرض إلا إننا – كمسلمين – وقعنا في فخ التفسير الخاطئ لكلمات الله وتمسكنا بحرفية وظاهر النص دون أن نمعن النظر في كلمات الله وحكمتها وأسباب نزولها وربطها ببيئتها التي نزلت فيها وبأفاقها التشريعية المستقبلية للناس كافة، فإخترعنا تقويماً لاهو بالشرقي ولاهو بالغربي فعزلنا تقويمنا “الهجري القمري” عن الدنيا وشئونها الحياتية وقصرناه على العبادات والمناسك كالحج والصوم والنحر وغيرها وعزلناه عن الزراعة والصناعة، بجعل السنة 354 يوماً دون باقي شعوب الأرض علي مختلف الملل والأهواء والنحل وذلك برفضنا إضافة 12 يوماً إلي الإثناعشر شهراً – تحت دعوى أنها نسيئاً حرمه الله – كي يستقم عامنا مع الجميع.

لكن بنظرة متأنية ولو رجعنا لمعاني أسماء الأشهر العربية لوجدنا معظمها مرتبط بفترات مناخية موسمية ثابتة ولم تكن أسماءاً اعتباطية: فشهر ربيع أول وربيع ثاني يأتيان بعد الشتاء واعتدال المناخ وتفتح الأزهار، وشهر جمادي هو الشهر الذي تجمد فيه الحبوب علي سنابلها فيتم حصادها، وشهر شعبان هو الشهر الذي تتشعب فيه البدو بحثاً عن الماء بعد نفاذه في الخريف، وشهر شوال هو الشهر الذي تشول فيه الناقة بذيلها بحثاً عن الذكر، أي أنه شهر تزاوج الحيوانات.

كما أن القراءة المتعقلة للآيتين 36و37 من التوبة سورة {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عامًا لِيُواطِؤُوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37)} يتضح منها أن السنة 12 شهراً ويتضح أيضاً أن النسئ في القرآن المقصود به التلاعب في العمل بالأشهر الحرم من أجل الاستمرار في القتال بدون حق تشريعي، أما النسئ التقويمي فإنه يحافظ على ثبات الأشهر في السنة وضمان تواليها كاملة بلا تلاعب.