تاريخ الرقابة الفنية في مصر، تاريخ طويل وممتد، وبالرغم من ارتباطه في أذهان الكثيرين بالأفلام السينمائية، إلا أن الرقابة ظهرت في مصر قبل دخول السينما بعدة سنوات.

فقد صدر أول قانون للرقابة سنة 1881، وكان مختص بالرقابة على المطبوعات، وعندما ظهرت السينما، تمت إضافتها إلى القانون في عام 1904، وهو ما يعني أن السينما كانت سابقة على المسارح في مسألة الرقابة، حيث صدرت لائحة “التياترات” المختصة بالرقابة على ما يعرض في المسارح والكازينوهات بعد هذا التاريخ بقرابة 6 سنوات، وبالتحديد في عام 1911.

وكانت هذه اللائحة التي تختص وزارة الداخلية بتنفيذ ما وررد فيها، تنص على تخصيص مكان “مناسب” في المسرح لضابط شرطة، والذي كان بمثابة مراقب، ليشاهد ما يقدم من عروض ويوجه ما يراه مناسب بشأنها.

وبعد ظهور السينما، بدأت الرقابة تتعامل معها طبقا للقانون، فكانت تتدخل بحذف بعض المشاهد أو تعديلها، إلا أن أول فيلم تم منعه بالكامل من العرض في تاريخ السينما المصرية بناء على طلب الرقابة، كان فيلم “مأساة الحياة” الذي أنتج سنة 1929.

الفيلم كان من إخراج وتمثيل وداد عرفي، الذي شاركه العمل في الفيلم كل من الراقصة التركية الشهيرة في ذلك الوقت إفرانز هانم، بالإضافة إلى جونسوانسون وعبدالغني البدراوي.

وكانت تدور أحداث الفيلم، الذي لم يتمكن الجمهور من مشاهدته أبدا، حول قصة فتاة لعوب تعمل راقصة، وتسعى لخداع شقيقين لإيقاعهما في غرامها بهدف الحصول على أموالهما.

وبالرغم من أن الفيلم كان من نوعية الأفلام الصامتة، حيث كان يكتب الحوار على الشاشة، إلا أن ذلك لم يمنع الناقد السينمائي حينها، الفنان عبدالسلام النابلسي، الذي كان يكتب تقارير نقدية فنية في عدة صحف ومجلات في ذلك الوقت، منها مصر الجديدة واللطائف المصورة والصباح، من أن ينتقد الفيلم بشدة، مؤكدا أن به “عيوبا فاضحة يندى لها الجبين خجلا”، وهو ما كان سببا في التفات الرقابة للفيلم.

وبعدما شاهد مسؤولي قسم السينما في وزارة الداخلية الفيلم، قرروا منعه من العرض في دور السينما أو إطلاع الجمهور عليه.

وقالت الوزارة حينها، إن الفيلم “يزخر بالملاهي ومواد الترف، وهو ما استنزف الجزء المهم فيه، مع أن العظة لم تتناول إلا أمتارا قلائل، ولا تترك أثرا عنيفا في المشاهد يعطيه فكرة سامية عن عاقبة الإثم والاستهتار”، معتبرة أن الفيلم به مشاهد جنسية مخلة.

وكان من اللافت، أن مخرج الفيلم، التركي وداد عرفي، واجه العديد من الانتقادات في أفلامه -على الرغم من قلتها- التي أخرجها أثناء فترة وجوده في مصر.

حيث أقدمت الفنانة فاطمة رشدي، على التخلص من فيلم “تحت سماء مصر” الذي أخرجه عرفي سنة 1928، وكان من إنتاج فاطمة رشدي، بعدما اكتشفت أن المخرج أغرق الفيلم بمشاهد خليعة لن يتقبلها الجمهور، حيث أوقفت استكمال تصوير الفيلم، وأحرقت الجزء الذي تم تصويره بالفعل.

كما كانت أشهر أزمة لأفلام وداد عرفي في مصر، هي محاولته إخراج فيلم عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث حاول إقناع يوسف وهبى بأداء دور الرسول، قبل أن يعترض الأزهر ويتدخل الملك فؤاد شخصيا لمنع الفيلم.

وأمام هذه الأزمات المتكررة مع الرقابة، اضطر وداد عرفي إلى مغادرة مصر والعودة إلى تركيا عام 1932، ليستكمل مشواره الفني هناك، حيث لا يعرف الكثير عن أعماله التي قدمها بعد تلك الفترة.