نستكمل في هذا التقرير.. سلسلة “السينما وحكام مصر”.. بالحديث عن علاقة الملك فؤاد الأول بالفن السابع.

فقد ظهر ‏أول‏ ‏فيلم‏ ‏روائي‏ في‏ ‏سنة‏ 1917 بعنوان “نحو الهاوية”، إلا أن الشركة المنتجة للفيلم “سينيشيتا” والتي تأسست برأسمال إيطالي أنتجت ‏‏فيلمين آخرين، هما “الشرف البدوي”، و”الأزهار القاتلة”، والذين ظهر فيهما المخرج المصري الراحل محمد كريم، الذي دخل شريكا في الإنتاج.

إلا أن عرض الفيلمين كان بعد سنة من إنتاجهما، أي في 1918، في بداية عهد الملك فؤاد الأول الذي تولى عرش مصر بعد وفاة السلطان حسين كامل في أكتوبر 1917.

الملك فؤاد الأول

قد تكون مصادفة أن تكون بواكير الإنتاج السينمائي في عهد الملك فؤاد الأول الذي جلس على عرش مصر إلى سنة 1936، وقد تكون الصدفة وحدها أيضا هي من جعلت مصر في هذه الفترة قبلة فنية عظيمة، لاسيما الحركة المسرحية التي بدأت في الازدهار في هذا التوقيت.

شكل المسرح وجدان كثير من الجمهور، عرفوا من خلاله العديد من النجوم النوابغ، والنصوص والموضوعات الجيدة، إلا أن الجمهور أيضا كان يتطلع لمشاهدة فن آخر وهو فن السينما.

وفى 1922 ظهر فيلم من إنتاج وتمثيل “فوزى منيب” مكون من فصلين تحت اسم “الخالة الأمريكانية”.

لم تكن مصر في فترة الملك فؤاد في عداء مع الفن مطلقا، فلم يذكر التاريخ سوى أزمات قليلة للغاية في بعض العروض المسرحية التي كانت تقدم في هذه الفترة، إلا أن أكبر عاصفة نشبت بين الدولة المصرية وعمل سينمائي كان في العام 1926، عندما قررت إحدى شركات السينما الألمانية تصوير فيلم عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) تحت اسم “محمد رسول الله”، وشاركت في نفقات إنتاجه حكومة تركيا بتوجيه من الرئيس أتاتورك، وأعد السيناريو بالفعل وصرحت بتصويره لجنة مكونة من كبار علماء الإسلام في اسطنبول بعد قراءته والتشاور في شأنه، ونص السيناريو على ظهور شخصية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، من خلال مشاهد يتم تصويرها في الصحراء السعودية.

كان أتاتورك يفضل أن يلعب الدور ممثل عربي ومسلم، فوقع الاختيار على النجم المصري يوسف وهبي، إلا أنه وفور إعلان الخبر ثار رجال الأزهر وثار معهم الرأي العام المصري والإسلامي، وظهرت بعد أيام في الصحف المصرية فتوى من شيخ الأزهر تنص على أن (الدين يحرم تحريماَ باتًا تصوير الرسل والأنبياء والصحابة رضي الله عنهم)، وأرسل الأزهر على إثر ذلك تحذيرًا شديد اللهجة إلى الملك فؤاد يحثه على اجتثاث فكرة مشاركة ممثل مصري في فيلم تظهر فيه شخصية الرسول من جذورها، ومن ثم يجب أن يصدر الملك قراراً بنفي الممثل يوسف وهبي من البلاد وحرمانه من الجنسية المصرية واعتباره مرتدا تجوز حرابته.

وبالفعل قام القصر الملكي بإبلاغ يوسف وهبي، أن قبوله هذا العمل يعني طرده من البلاد وسحب الجنسية منه.

ولكن تلك الضجة التي حدثت لم تمنع الشركة من إنتاج الفيلم الذي قام بإخراجه المخرج التركي وداد عرفي، الذي استعان بممثل يهودي لؤدي دور الرسول في الفيلم.

وفي العام 1927 تم إنتاج وعرض أول فيلمين شهيرين هما “قبلة في الصحراء” و”ليلى” الذي قامت ببطولته عزيزة أمير أول مصرية تعمل بالسينما.

المؤرخون مختلفون بين هذين الفيلمين تحديدا على أي منهما له السبق كأول فيلم مصري 100%‏، إلا أن الغالبية تجمع على أن فيلم “أولاد الذوات” هو أول فيلم مصري ناطق، وقام ببطولته يوسف وهبي وأمينة رزق.

وفي العالم 1930 أنشئ المعهد العالي لفن التمثيل، لكنه لم يستمر سوى لعام واحد، ثم أعيد افتتاحه بعدها بأربعة عشر عاما، وفي العام 1935 أنشيء ستوديو مصر الذي شكل نقلة جديدة في تاريخ السينما المصرية، سواء كمكان لتصوير الأعمال، أو كجهة منتجة لبعض الأعمال.

يذكر التاريخ أيضا جهدا كبيرا للملك فؤاد في وضع حجر الأساس للعديد من دور السينما في المحافظات، ومنها دور سينما دمنهور في العام 1930.

ولعل الحد الأكثر لفتا في عهد الملك فؤاد هو قيامه بافتتاح معهد أزهري باسمه في حي الحمراء بمدينة أسيوط على نهر النيل مباشرة، ويعد هذا المعهد من المعاهد الأزهرية العريقة، فهو أول معهد أزهري في الصعيد، ورابع معهد أزهري أنشئ بعد الإسكندرية وطنطا الزقازيق، والثاني من حيث المساحة بعد معهد الزقازيق.

وفي هذا المعهد غرفة واسعة، صممت خصيصًا على هيئة قاعات السينما بمقاعدها الخشبية والشكل الكلاسيكي لشاشة العرض القديمة.