كثير من القصص الرومانسية الشهيرة التي باتت من علامات الأدب العالمي، هي قصص مستوحاة من وقائع حقيقية وشخصيات عاشت بالفعل قبل مئات السنين، ولكن المثير للدهشة حقا، أن تكون واحدة من تلك القصص، التي طالما اعتقدنا أنها مجرد خيال وأسطور، هي أيضا قصة مبنية على أحداث حقيقية.. إنها “الجميلة والوحش”.

فالقصة التي كتبتها المؤلفة الفرنسية جابرييل سوزان باربو عام 1740، وتحولت لاحقا إلى العديد من الأفلام السينمائية التي لاقت نجاحا كبيرا، تعود وقائها إلى ما قبل تاريخ تأليفها بقرابة مائتي عام، وبالتحديد في عام 1547، عندما تلقى ملك فرنسا هنري الثاني، هدية غير متوقعة بمناسبة جلوسه على العرش، كانت عبارة عن “وحش بشري”.

القصة الحقيقية كما يرويها وثائقي أذيع مؤخرا على قناة “الجزيرة وثائقية”، يقول إن الهدية التي تلقاها الملك كانت عبارة عن وحش بين القرد والإنسان، ظن كل من رآه، بما فيهم الملك نفسه، أنه مثال للرجل البري الأسطوري، أندر وأخطر مخلوق وجد على الإطلاق، والسبب في ذلك، أن الشعر كان يكسوا كامل جسده، بما في ذلك وجهه، مما حوله في نظر العامة إلى وحش.

كانت أكبر مفاجأة، عندما توجه علماء الملك للقاء “الوحش” الذي كان محتجزا في زنازين القصر هنري الثاني، لفحصه ودراسة سلوكه، حيث أن المخلوق العجيب تصرف على نحو غير متوقع، بهدوء وإنصات، ولم تظهر عليه علامات العدوانية كما كانوا ينتظرون.

الوثائقي أوضح، أن ذلك الكائن الغريب، لم يكن سوى إنسان كامل، إلا أنه كان يعاني مما يعرف اليوم بـ”متلازمة فرط نمو الشعر”، وهي حالة مرضية نادرة جدا تصيب خمسين شخصا فقط حول العالم، حيث عرض الوثائقي نموذج لحالة معاصرة للاعب سرك يعاني من نفس المرض هو وعدد من أفراد عائلته.

وبالطبع كان من الصعب على الناس في القرن السادس عشر استيعاب أن هذا الوحش مجرد إنسان يعاني من مرض نادر، لذا تمسكوا بوجهة نظرهم، وسعى الملك للعمل على ترويض “الوحش” الذي كان يدعى “بدرو جونزالس”، للتفاخر به وسط غيره من الملوك، وتحويله إلى “إنسان”!

وبالفعل، تلقى بدرو معاملة حسنة وارتدى ملابس أنيقة، وبدأ في التعلم كالنبلاء، وكان من اللافت، أنه تميز في دراسته واجتهد، حتى أصبح مع مرور الوقت نبيلا فعليا وليس رسميا، وتولى منصبا في البلاط البلكي، وكان لرجل مثله يعيش وسط هذه الطبقة أن يتزوج، ولكن كان التحدي هو العصور على من تقبل أن تتزوج من رجل يشبه الحيوان.

أرادت الملكة كاترين دي ميديشي التي تولت عرش فرنسا بعد وفاة زوجها هنري الثاني، أن يكون للوحش “بدرو جونزالس” خلف تكمل به رحلة التفاخر التي بدأها زوجها، لذا بحثت الملكة عن امرأة قوية بما فيه الكفاية لتتحمل الصدمة عندما تعرف زوجها المستقبلي وتنجو في الوقت نفسه من الخطر الغامض الذي ستدفع إليه، وعلاوة على ذلك، تكون جميلة!

واختارت الملكة، الفتاة المناسبة، والتي كانت ابنة موظف في الديوان الملكي، لم يعرف لقبها أبدا، حيث عرفت من سيكون عريسها للمرة الأولى أثناء عقد القران، حيث لم يكن لها الحق في الرفض، لذا سقطت مغشيا عليها فور رؤيته.

إلا أن الوضع تغير سريعا، فقد تبدل الخوف لديها إلى عطف، ثم تحول إلى حب عندما لمست إنسانية هذا الوحش الذي رفض إجبارها على شيء بعدما امتنعت عنه عقب الزواج، لذا بدأت في التقرب منه، وهو ما أثار دهشة الجميع، وكان نتيجة هذا التقرب، أن وضعت طفلين لم يكن أحد منهما مصابا بفرط نمو الشعر، وهو ما أحبط الملكة التي كانت تنتظر منهما أن ينجبا “وحشا” صغيرا، إلا أنهما استطاعا أخيرا إنجاب أطفال يعانون من ذات المرض، ليتم رسم لوحة جماعية للعائلة الغريبة، بينما تم تجاهل الطفلين العاديين.

ومع الوقت، أصبحت أوروبا بأسرها تتناقل أخبار الرجل البري “الوحش”، حيث قام هو وأسرته بجولة في العديد من البلدان، قبل أن يستقرا في إيطاليا، حيث عمل بدرو في وظيفة مدير لبعض العقارات، إلا أن من المآسي التي تعرض لها هو وزوجته، هو انتزاع أطفالهما منهما وتوزيعهم على بعض النبلاء والوجهاء في مختلف ممالك أوروبا كهدايا!

وبعد سنوات طويلة، وعندما أصبح بدرو في الثمانين من عمره، توفي الرجل الذي انشغلت أوروبا بالحديث عنه لسنوات، في منزله وبين أسرته في هدوء تام، ولكن كان من اللافت، هو عدم العثور على أي وثائق رسمية تسجل وفاة بدرو، حيث كانت لا تسجل حالات الوفاة إلا لمن يتم إقامة قداس الوفاة الخاص بهم في الكنائس، ما يرجح أن الكنيسة رفضت إقامة القداس على روح بدرو لأنهم ربما حتى ذلك الوقت لم يكونوا قد اقتنعوا بعد أنه مجرد إنسان.