(أخطأ.. يخطيء.. فهو خطّاء)..

الخطأ في اللغة هو الحياد عن الصواب وعن الهدف وعن الطريق أو هو الضلال..

أما الخطأ في الأديان فله شأن ومعنى آخر، فمنذ أن غادر آدم وزوجه الجنة عقاباً لهما أو تحقيقاً لمشيئة الله تعالي في إعمار الأرض وخلافته فيها (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) – [البقرة30]، والإحساس بالذنب من معصية الله وخرق قوانينه يعكر صفو الإنسان وينغص عليه حياته، فيسعى دائماً للتكفير عن ذنوبه واسترضاء ربه بتقديم الأضاحي أملاً في الغفران ونيل رضا الله.

وإذا كانت الأديان السماوية وغير السماوية اختلفت في المنهج والغاية وسُبل الوصول إلى مرضاة الله، فإنها أيضا اختلفت كثيراً حول مفهوم الخطأ ومن ثم ظهرت كلمة الخطيئة.

ولما كانت الديانة اليهودية هي ديانة خاصة ببني إسرائيل فقط وغير تبشيرية لغيرهم، كما أنها ديانة عملية تؤمن بأن الفداء والخلاص والنجاة لا تكون بالعقيدة، وإنما بالفعل والعمل وإتمام الوصايا الإلهية المجملة في الوصايا العشر، فإن الخطيئة عندهم لا علاقة لها على الإطلاق بخطيئة آدم وخروجه من الجنة، فهذا فعله وهو المسئول بنفسه وفي نفسه عنه، ذلك أن كل ما يعنيهم هو مخالفتهم وكسرهم للقوانين الإلهية، كخطيئتهم عندما صنعوا عجل السامري الذهبي وعبدوه من دون الله أثناء ذهاب موسى لملاقاة ربه، لذا فإنهم يعتقدون بأن الإيمان والخطيئة تأتيان من العمل فقط وبأن (الخطيئة مرابطة عند الباب) فيجب أن يحسن اليهودي في عمله يومياً حتى لا تدخل الخطيئة إليه.

أما في المسيحية فإن الأعمال تأتي من الإيمان؛ ولذا فهي تهتم بالفكرة والمعتقد الذي يسبق العمل، وعليه فإن الخطيئة ومفهومها ركن أساسي من أركان الديانة المسيحية ووضعوا لها مصطلح (الخطيئة الأصلية أو السلفية) التي هي وضعية الإنسان الآثمة الناتجة عن سقوط آدم وحواء أو بمعني أدق (الوضع العام المنقوص الذي يولد فيه الإنسان وارثاً له ومحملاً به بمعزل عن الخطايا المستقبلية التي قد يرتكبها مستقبلاً في حياته)، فهي خطيئة إنسانية يورثها الأباء للأبناء وللأحفاد كما قال المسيح (الشجرة الرديئة تثمر ثمراً رديئاً) و(ها أنا ذا بالإثم صورت وبالخطيئة حبلت بي أمي).

أما في الإسلام فإن الخطيئة غير شائعة كمصطلح بل وهناك تداخل فيما بينها وبين الإثم (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) – “112 النساء”، وهي كل فعل أو قول يعارض الله وشريعته وما حرمه وما قد يحدث الضرر بالنفس أو الآخرين.

وهي ليست حالة في الوجود كالمسيحية ولا يوجد إنسان معصوم من الخطأ حتى الأنبياء أنفسهم (كل ولد آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) وعليه فإن آدم – عليه السلام – قد أخطأ ولكن الله عفا عنه بكلماته التي تلقاها (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) – [36-37 البقرة].

ويعتقد بعض الفقهاء بأن الخطيئة أشمل وأعم، وضررها عائداً على المجتمع وهي تكون نتيجة لفعل متعمد أو غير متعمد بخلاف الإثم الذي صفته القصد والتعمد، بينما يعتبر البعض الآخر بأن الخطيئة هو ما تبقى من سيئات الإنسان بعد طرح أعماله الحسنة منها (بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) – [81 البقرة]، و(مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا) – [25 نوح]، وهي تنقسم إلي قسمين، أولاً الكبائر؛ والتي هي الذنوب التي حدد لها القرآن عقوبة في الدنيا ووعيد في الآخرة، وثانياً الصغائر؛ وليس لها حداً خاصاً ولا وعيداً في الآخرة وإنما هي مكروهة.

ولكن كيف يتخلص الإنسان من آثامه وخطاياه؟

في الأديان السماوية الثلاثة (اليهودية – المسيحية – الإسلام)، فإن (القربان والذبيحة – البذل والفداء – النحر والأضحية) ما هو إلا جعل شئ مكان شئ حماية له، بمعنى أن من يخطئ بمعاصيه يستحق الموت ويكون سبيله في الخلاص من هذا الموت هو الدم المسفوك من الذبيحة، حيث أن الإنسان عندما يقوم بالذبح تنتقل الخطيئة من الخاطئ إلى الذبيحة.

ففي اليهودية يتم الذبح اليومي بالإضافة لعيد الفصح استنادًا للفقرات (إن نفس الجسد في الدم. فأنا أعطيكم إياه علي المذبح للتكفير عن نفوسكم لأن الدم يكفر عن النفس) من سفر اللاويين 17:11.

وفي المسيحية فإنهم لا يذبحون، ذلك أنهم قد ذبحوا ذبيحتهم الأبدية بعد أن ذُبح المسيح عيسى ضمنيا على الصليب حسب معتقدهم، استنادًا للفقرات (بدون سفك دم لا تحصل المغفرة) العبرانيين 9:20 و(أنا أضع نفسي عن الخراف) يوحنا 1:29.

ولأن الخطيئة تورث فإنه يجب حماية وتطهير المولود المسيحي وأن يخلص من الخطيئة الأبدية التي هي خطيئة آدم وحواء بالتعميد وبرمزية قتله أثناء تغطيسه تحت الماء التي تعني أنه قتل ودفن مع المسيح، ثم بانتشاله من الماء مرة أخرى وكأنه قام من بعد مماته مع المسيح.

في الإسلام حيث يكون الذبح سنويًا استنادًا للقرآن الكريم والحديث النبوي (فصل لربك وانحر) الكوثر، و(ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من هراقة دم، وإنها لتأتي في يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع علي الأرض فطيبوا بها نفساً) رواه ابن ماجة.

وإذا كان الإسلام لا يعترف ولا يقر بتوريث الخطيئة كما في المسيحية إلا أن سنة “العقيقة” التي يستنها المسلمون تتشابه تمامًا مع التعميد المسيحي في تخليص المولود المسلم من آثام أبويه كما قال رسول الله (كل غلام مرتهن بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه) و(لا يكسر لها عظمًا) – كما أضافت السيدة عائشة رضى الله عنها – ففي العقيقة أنت تعق أي تشق رقبة الطفل وتذبحه بذبحك للشاة نيابة عنه لتطهيره من آثام أبويه بإراقة الدماء، ولأن الأثم ينسب للأبوين لذا فقد اشترط الفقهاء أن يكون ثمن الذبيحة من حر مال الأبوين وليس من مال الطفل -إذا قدر وكان له ميراث أو هبة أو ما شابه-.