هناك مقولة ثقافية تقول: “إن الكتب العربية يتم تأليفها في مصر، وتطبع في لبنان، وتقرأ في العراق”، إلا أن كثيرا من وقائع التاريخ، أثبتت أن الكتب تقرأ في العراق وتحرق أيضا العراق!

فقدت شهدت هذه الدولة الغنية بالثروات، الكثير من عمليات العدوان الخارجي في مختلف العصور، ولقيمة الثقافة والعلم دائما في مواجهة المعتدين، كان يحرص الغزاة على تمدير التاريخ الثقافي للعراق لتسهيل عملية الاستيلاء عليه، وهي الوقائع التي بدأت مع دخول المغول، ولم تنته مع الغزو الأمريكي في 2003.

إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور شخصيات عظيمة، سخرت نفسها للحفاظ على كنوز العراق من كتب ومؤلفات ومخطوطات ووثائق، أمثال السيدة “عالية محمد باقر”.

“عالية” والملقبة “ببطلة الثقافة العراقية”، كانت تشغل منصب أمينة مكتبة البصرة، وكان لها موقف بطولي في الحفاظ على أكثر من 30 ألف كتاب ومخطوط من مكتبة البصرة، بالتزامن مع الحرب الأمريكية البريطانية على العراق.

فقُبيل اجتياح القوات البريطانية للمنطقة عام 2003، كانت “عالية” تخشى من تعرض محتويات المكتبة من كتب ومخطوطات لا تقدر بثمن، للدمار والتخريب، فتقدمت بطلب وقتها للسماح لها بنقل محتويات المكتبة إلى مكان آمن، إلا أن طلبها قوبل بالرفض دون سبب واضح.

وأمام هذا التعنت، قررت “عالية” أن تتحرك بنفسها وتفعل أي شيء لإنقاذ هذا الجزء الهام من التراث الإنسان، وعليه بدأت تتسلل ليلا إلى المكتبة لتنقل الكتب بعيدا عن أعين السلطات.

اعند اجتياح القوات البريطانية للبصرة، هرب المسؤولين الحكوميين الذين سبق ورفضوا نقل الكتب، فواصلت عالية جهودها في نقل الكتب وساعدها في ذلك مجموعة من أهالي الحي الواقع به مقر المكتب، حتى تمكنوا في النهاية من نقل 70% من محتويات المكتبة الثمينة، بينها كافة الوثائق والمخطوطات.

وبعدها بأسبوع، تعرضت المكتبة لحريق غامض لم يعرف سببه، أدى إلى تلف ودمار الآلاف من الكتب والمخطوطات.

قصة “عالية” أثارت إعجاب الجميع، حتى كتبت المراسلة الصحفية “شايلا ديوان” في صحيفة “نيويورك تايمز” عن عالية وأثارت قصتها اهتمام بعض مؤلفي كتب اﻷطفال لما فيها من شجاعة وبطولة، فقام كل من الكاتب “مارك آلان ستاماتي” بنشر كتاب بعنوان “مهمة عالية”: إنقاذ كتب العراق، في 2004، كما نشرت الكاتبة جانيت ونتر في 2005 كتاب بعنوان “أمينة مكتبة البصرة”، لتخلد قصة السيدة العراقية الشجاعة التي رفضت الاستسلام وأصرت على الدفاع عن تراث وطنها.

اقرأ أيضا:

مطالب الأزهرية سنة 1950: مناهج جديدة.. ووجبة غذائية.. وزي موحد