أثارت تصريحات الرئيس التونسي الأخيرة والتي أعلن فيها مساواة الرجل بالمرأة في الميراث، جدلا شديدا على الساحة في الأقطار العربية وصل إلى قيام الأزهر بالتعليق على هذه التصريحات موضحا موقف الإسلام من مسألة الميراث، وهو التعليق الذي قوبل برد عنيف من قبل دار الإفتاء في تونس التي طالبت الأزهر بعدم التدخل في الشأن الداخلي لبلادها.

تعليمات

أزمة المواريث ليست جديدة، فخلال التاريخ الطويل للدولة الإسلامية ظهر العديد من العلماء والمجددين، الذين كانوا يتعرضون في كل عصر لهجوم ورفض شديد من قبل من يرفضون التجديد من التيارات الجامدة.

وعرف عن الأزهر مواجهته لبعض أصحاب الآراء التي اعتبرها خروجا عن النص القرآني، مثل موقفه من الدكتور نصر حامد أبو زيد وبعض الأساتذة الأزهريين أمثال الدكتور سعدالدين الهلالي، ليبدأ مؤخرا مواجهة جديدة مع دار الإفتاء في تونس.

مصدر بدار الإفتاء قال إن هذا الرد كان ضربة موجعة للمؤسسة الإسلامية في مصر، مضيفا أن هناك تعليمات مشددة لأعضاء هيئة كبار العلماء بالتوقف عن الخوض في هذه المسألة لتجنب أي حرج آخر، إلا أن الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أعلن عن رأيه في أزمة المواريث صراحة.

50 حالة

فقد قال الرجل إن الشريعة الإسلامية جاءت لتنصف المرأة وتكرمها وتعلي من شأنها بعدما كانت تتعرض للكثير من الظلم والمهانة قبل الإسلام في الجزيرة العربية وغيرها.

وأضاف أن الجزيرة العربية كان لديها أنماط عديدة من العلاقات بين الرجل والمرأة وهي علاقات غريبة ولا ينتج عنها تكوين أسرة حقيقية تؤدي لاستقرار المجتمع حتى جاء الإسلام وألغى كل هذه الأنماط غير السوية وحصرها في العلاقة الشرعية وهي علاقة الزواج بين الرجل والمرأة حفظًا لكرامة المرأة.

وحول حقوق المرأة، قال علام إن قضايا وحقوق المرأة من القضايا التي حسمت في الشريعة الإسلامية من أول يوم فالمرأة عزيزة ومكرمة ويتعامل معها في الإسلام من منطق المساواة بينها وبين الرجل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (النساء شقائق الرجال)، مضيفا أن قضايا المرأة يتم التشويش عليها وتهدر الكثير من حقوقها بسبب العادات والتقاليد التي سيطرت على الكثير من المجتمعات وأدت إلى إيجاد حاجز بين المرأة وبين حقوقها الثابتة التي ضمنتها لها الشريعة الإسلامية.

وتابع “الإسلام ضمن للمرأة حقها في الميراث وحرم أكله بالباطل وأن العادات والتقاليد الفاسدة هي التي رسخت لمفهوم حرمان المرأة من الميراث وينبغي أن نصحح ذلك لأن القرآن عندما نزل حدد للمرأة ميراثها وحقوقها وفيما يتعلق بميراث الذكر والمرأة”.

وأوضح المفتي أن هذه الآية متعلقة بأربع حالات فقط في الميراث، في الوقت الذي توجد فيه حالات كثيرة جدا تصل إلى 50 حالة، يزيد فيها نصيب المرأة عن الرجل.
وأضاف ينبغي ألا نختزل هذه الحالات الأربع في ميراث المرأة ونعمم الحكم ونقول إن المرأة ظلمت في الميراث لأن الحقيقة غير ذلك.

قضية قديمة

المفكر الإسلامي الدكتور محمد شحرور شرح رؤية مغايرة للمتعارف عليه في مسألة الميراث، حيث أكد في الكثير من مؤلفاته أن المرأة هي الأساس، وأن مخاطبة الله تعالى لعباده جاءت بمحمل الوصية التي هي في الغالب أقوى من الإرث، وهى فرض عين والمواريث أمر احتياطي.

شحرور قال أيضا في هذه المسألة، إن أزمة المواريث قديمة ومتشابكة تعود إلى الخلاف السياسي في الدولة الإسلامية، وأن الإرث هو وصية الله في حال عدم وجود وصية من الإنسان.

مشيرا إلى أن رسالة أبو جعفر المنصور لمحمد النفس الذكية، وكان الأخير يطالبه بالحكم، قال فيها إن البنت لا تحجب العم، وفى ذلك الوقت كانت الدولة العباسية في أوج قوتها تحكم العالم كله، وقد أجرى قياس المواريث على السلطة واستمد   العباسيين شرعيتهم من آيات الإرث والدليل أنه عند الشيعة البنت تحجب ولا تحجب عند السنة.

شحرور قال بضرورة وجود فهم جديد وعصري للنصوص، لافتا إلى أن الخوف من التجديد لن يكون لصالح كتاب الله، لأن العلم يتضاءل مهما تقدم أمام صنع الخالق.

شحرور ذكر أيضا أن الأسباب الاجتماعية والسياسية كان لها علاقة بالموروثات وتم تفسيرها بما يتناسب مع المرحلة “ساعد على ذلك المجتمع الذكوري” بحسب قوله.

فأي الآراء هي التي ستفرض سيطرتها على المشهد؟ موقف الأزهر أم إفتاء تونس؟ إجابة قد ننتظر طويلا لمعرفتها.