بالرغم من التقدم الذي الفكري والعلمي الذي طال كافة أطراف المعمورة تقريبا، إلا أن ذلك لم يمنع أن يكون قرابة خمس سكان العالم حتى الآن يمارسون طقسا غير صحي على الإطلاق، كان يمارسه الإنسان الأول قبل ملايين السنين، وهو التغوط في العراء.

فقد وصل عدد الذين لايزالون يتغوطون في العراء حول العالم، إلى قرابة ال950 مليون شخص، نصف في الهند وحدها، وهو ما يتسبب في وقوع ملايين الوفيات نتيجة انتشار الأوبئة، إلا المفاجأة التي كشفت عنها مجلة “ناشيونال جيوجرافيك” في عدد أغسطس 2017، ليست في نقص المراحيض، ولكن في رغبة الناس عدم استخدام تلك المراحيض!

منظمة الأمم المتحدة، أطلقت في عام 2015 حملة لإنهاء ظاهرة التغوض في الصحراء بحلول عام 2030، مؤكدة أن ذلك ليس أمرا مستحيلا، خاصة في ظل ما حققتنه دولة مثل فيتنام في هذا المجال، حيث استطاعت خلال العقود القليلة الماضية القضاء على انتشار ظاهرة التغوض في العراض بين مواطنيها.

ولفتت المنظمة العالمية حينها، إلى أن نجاح ذلك سيحدث أثرا عظيما في الصحة العامة، فالأمراض الناجمة عن ضعف مرافق الصرف الصحي وعن المياه غير الآمنة، تقتل 104 مليون طفل في السنة، وهو رقم يفوق العدد الذي تقتله أمراض الحصبة والملاريا والإيدز مجتمعة.

100 مليون مرحاض

وفي عام 2014 أعلن رئيس الوزرا الهندي ناريندا مودي عزمه إنهاء هذه الظاهرة في الهند قبل عام 2020 واتخذ مودي لحملته هذه شعار “المراحيض قبل المعابد” وخصص لها أكثر من 40 مليار دولار ستنفق في تشييد المراحيض وتوعية الناس لتغيير سلوكهم، حيث يهدف من وراء هذه الحملة إلى تشييد أكثر من 100 مليون مرحاض جديد.

إلا أن المشكلة في الهند، لم تكن أبدا في نقص المراحيض، فهناك الكثير منها منتشر في المناطق الريفية، إلا أنه لا يستخدم للغرض الذي خصصت من أجله، بل يستخدم في أغراض أخرى، مثل إيواء الحيوانات الصغيرة أو تخزين الأدوات والدراجات والحبوب، بينما يتوجه أصحاب هذه المراحيض إلى الحقول لقاضاء حاجاتهم.

ويكشف الوضع في الهند، أن أزمة “الثقافة والتقاليد” هي العائق الرئيسي والكبير أمام القضاء على هذه الظاهرة، فثمة تقاليد راسخة في الهند قد تشكل عائقا أمام تحسين حالة الصرف الصحي أكبر بكثير من مجرد الافتقار إلى أنابيب المجاري والحفر.

وفي المناطق الريفية تحديدا، يفضل الرجال الهنود السير إلى الأدغال لقضاء حاجاتهم اليومية، وهو سلوك محمود ويعتبر من شيم الرجال في تلك المناطق، بينما تجد النساء (بعض الحرج!) في التحرر من التقاليد السائدة هناك -التغوط في العراء- ويشعرن بالضيق داخل المراحيض ولاسيما تلك التى تفتقر إلى وسائل التنظيف.

وأيا ما كان الوضع الحالي في العالم، فقد أثبتت التجربة، أن القضاء على هذه الظاهرة ممكن ووارد إلى حد كبير، شريطة تضافر جميع الجهود للقضاء عليها، والعمل على خطين متوازيين، الأول توفير الوسائل الصحية التي تعين السكان في البلدان النامية على قضاء حاجاتهم، والثاني توعية الجماهير ودفعهم للتحرر من العادات الراسخة التي درجوا عليها لسنوات وتوارثوها لأجيال طويلة.