ما أشبه الليلة بالبارحة، فبالرغم من انتشار دعاوى تجديد الخطاب الديني في الوطن العربي عامة ومصر خاصة، وسط اتهامات لمؤسسة الأزهر الشريف بتمسكها في مناهج دراسية باتت لا تناسب الظروف الراهنة في العالم الإسلامي، إلا أن تلك دعاوى التجديد ليست وليدة سنة 2017 أو حتى قبلها بعامين أو ثلاثة، أو عشرة.

فمطلب التجديد والمراجعة قديم وربما يعود إلى ما قبل محاولات الشيخ محمد عبده والشيخ علي عبدالرازق.

لكنها تظل مطالب تأتي إما من خارج المؤسسة، أو من منتمين لها حازوا من العلم الكثير، إلا أن العدد رقم “278” من مجلة “مسامرات الجيب”، والصادر في 5 نوفمبر 1950، حمل صدفة مدهشة.

صدفة مدهشة

عدسة المجلة تجولت في الجامعة الأزهرية في ذلك العام، ويقول كاتب التحقيق الذي لم يذكر اسمه أن الجامعة هي أعظم معهد إسلامي في الشرق بل وفي العالم أجمع، وإذا كانت جامعة فؤاد (القاهرة حاليا) تفخر بأنها خرجت في كلياتها أفواج المحامين والأطباء والمهندسين، فالجامعة الأزهرية أنجبت دهاقنة الشريعة الإسلامية الغراء وحفاظ القرآن واللغة والتفسير والفقه ممن صانوا هذا التراث الغالي وأوصلوه إلى أيدينا مبرءًا من كل سوء.

المحرر وصف رحلته من أول ما وطأت قدمه إلى حي الأزهر، فقال إنه لمنظر جميل حقا حين ترى حي الأزهر بما رحب وقد غصت شوارعه بالأزهريين الذين تركوا الأهل والأوطان طلبا للعلم، مع أن معاهد الأزهر ليست كلها في حي الأزهر. ويعمل القائمون على شئونه الآن على جمع شتات المعاهد الدينية في هذا الحي ويطلقون عليه “الجامعة الأزهرية” -ميلاد جامعة الأزهر القائمة الآن كان سنة 1961 بمقتضى القانون 103″- وقد بُديء بالفعل في بناء كلية أصول الدين وكلية اللغة.

ويقول المحرر “وكعهدنا بالأزهريين لا تفرغ جعبتهم من الطلبات. لقد طالبوا بالسماح لهم بارتداء (البدلة) في المعهد (القسم الثانوي) وكان هذا عام 1942، وقدموا عرائض ومطالب واحتجاجات، وصُرح لهم بلبس (البدلة)، ولكن في معهد القاهرة فقط، وغضب من ليس في معهد القاهرة على هذا التمييز، ولم يكن في وسعهم أكثر أن يحولوا أوراقهم إلى معهد القاهرة حبا في ذلك الزي الجديد، والآن في العام الدراسي 1950/1951 يطالبون مرة أخرى لا بتغيير الزي ولكن بتوحيده”.

مناهج عتيقة

ولم يكن هذا هو المطلب الوحيد للطلاب حينها، حيث يكشف المحرر أنهم طالبوا أيضا بتغيير المناهج الدراسية العتيقة، التي وصفوها بأن الزمان أكل عليها وشرب، فيما طالب آخرون بوجبة غذائية تصرف لهم.

وقتها كان شيخ الأزهر هو عبدالمجيد سليم، حيث وعد الرجل طلابه بإيجاد حل مناسب لطلباتهم، إلا أن ما لفت نظر محرر “مسامرات الجيب”، وأجل الحديث عنه إلى آخر تحقيقه، هو الجو المحيط بالجامعة الأزهرية، وبالقمامة ومخلفات الجيش التي تتراكم في الحي العتيق، فضلا عن الضوضاء والضجيج المحيطين بالمعهد، نظرا لطبيعة الحِرَف التي امتهنها سكان المكان، إضافة إلى شكوته من الباب الخشبي الرئيسي للمعهد الذي لم يكن يليق بالمكان.

ومثلما كان مطلب تجديد المناهج الأزهرية هو أبرز ما يلفت الانتباه في زمننا هذا، كانت صورة ملتقطة في المعهد هو أبرز ما لفت انتباه مصور المجلة ومحرر الموضوع وربما رئيس التحرير أيضا، وهي الصورة الرئيسية للتحقيق المصور والتي تظهر عددا من الطلاب وقد ارتدى بعضهم ملابس الأزهر المعروفة من جبة وقفطان، وأرتدى آخرون قميصا وبنطلون، ليعلق عليها المحرر بتعليق شديد الطرافة وهو “على كل لون.. عمامة وجبة.. عمامة وجلباب بلدي.. طاقية وجلباب أفرنجي.. طربوش وبدلة.. بدلة بدون طربوش.. بنطلون وقميص.. هل لهم الحق في المطالبة بتوحيد الزي؟”.

وثائقي| إبراهيم الفقي.. هل كان أينشتاين جديد أم مجرد “استاند أب كوميدي؟